-->

التارييخ الاسلامي|مكتبة محمود الشاوري


التاريخ الاسلامي |مكتبة محمود الشاوري
التاريخ الاسلامي|مكبة محمود الشاوري

عن التاريخ الإسلامي




اصطلح المؤرخون على تقسيم التاريخ زمنياً إلى ثلاثة عصور كبرى: قديمة، وسطى، وحديثة، ولكل منها مداه الذي قد تتباين الآراء في تحديد بدايته أو نهايته، ولكن لا خلاف في تحديد جوهره وخصائصه ومعالمه. وظهور الإسلام ثم اتساع الدولة الإسلامية، وازدهار حضارتها، جعل التاريخ الإسلامي يمثل أحد أبرز جوانب العصور الوسطى. وفي مرحلة نشأة الجامعات المصرية الحديثة، رؤي أنه من المناسب تخصيص فرع في الدراسات التاريخية للتاريخ الإسلامي–مثلما خُصص فرع في أقسام الفلسفة للفلسفة الإسلامية-وهذه ظاهرة فريدة انفردت بها الجامعات المصرية وامتدت إلى الجامعات العربية الناشئة، وذلك تكريماً للإسلام بصفته الديانة الرسمية الغالبة على هذه البلاد. وأشار أستاذ كرسي تاريخ العصور الوسطى سعيد عبدالفتاح عاشور في تقريره إلى اللجنة العلمية الدائمة للترقيات في ثمانينات القرن الماضي والذي استندنا إليه أنه على المستوى الأكاديمي العالمي، ظل التاريخ الإسلامي يمثل حلقة من حلقات تاريخ العصور الوسطى؛ لأن الإسلام ديناً ودولة وحضارة ظهر وانتشر وازدهر في تلك العصور. وقد أُطلق على العصور الوسطى في المصطلح التاريخي اسم «عصور الإيمان»؛ لأنها شهدت في جانب ازدهار الإسلام وحضارته وفي جانب آخر صحوة المسيحية، وانطلاقها. 

ولا يستطيع باحث يتمتع بقدر ضئيل من الحاسة التاريخية أن يدعي أن هناك ما يسمى بالعصور الإسلامية، لأن الإسلام منذ ظهوره لا يقتصر على عصر محدد لا يتجاوزه، وإنما يمثل ديانة خالدة لكل زمان ومكان، وإذا كان الإسلام قد ظهر وازدهر في العصور الوسطى، فإنه ما زال–وسيظل–عقيدة وحضارة وفكراً وأسلوباً للحياة، وقوة لها وزنها على مسرح التاريخ البشري. ومعنى هذا أننا عندما نتكلم عن التقسيم الزمني للتاريخ فإن تاريخ العصور الوسطى هو الذي يمثل الجذع، لأن التاريخ من الناحية الزمنية يمثل ثلاثة أقسام لا رابع لها. وإذا قال بعضهم أن هناك عصوراً ما قبل التاريخ، وأن هناك ما أسموه التاريخ المعاصر، فإننا نقول إن هذه فروع من قسم أو آخر من أقسام التاريخ الثلاثة الكبرى. وليس معنى حرصنا على تكريم الإسلام وتاريخه أن نقلب التاريخ ونشوهه، أو أن نلجأ إلى تزييف الحقائق، لنستحدث تقسيماً خاطئاً ونقول إن هناك عصوراً إسلامية. وإنما ندرك أن أجدادنا عاشوا تحت مظلة الإسلام، وأننا الآن وكذلك من سيأتون بعدنا نعيش تحت مظلة الإسلام. وإذا كانت العصور الوسطى شهدت ذروة ازدهار التاريخ الإسلامي، فإن علينا إدراك أن المسلمين في تلك العصور لم يعيشوا منغلقين على أنفسهم، وإنما ربطتهم ببقية العالم–المسيحي وغير المسيحي–روابط سياسية وحضارية وعلاقات سلمية وحربية، وحسبنا ما كان هناك من علاقات واتصالات وتبادل هدايا بين هارون الرشيد وشارلمان في غرب أوروبا، وما كان من حرص بعض الخلفاء العباسيين على إرسال سفارات إلى القسطنطينية؛ حاضرة دولة الروم لاستحضار كتب من تراث اليونانيين في الفلسفة والطب والعلوم، وما كان من علاقات ودية ومحالفات بين الإمبراطور فردريك الثاني؛ إمبراطور الدولة الرومانية المقدسة في الغرب، وبعض سلاطين المسلمين في الشام ومصر، وما كان هناك من علاقات اقتصادية ومعاهدات بين سلاطين المماليك في مصر والجمهوريات الإيطالية مثل البندقية، وجنوة، وبيزا. وكل هذه دراسات تعبر عن صفحات لها أهميتها في التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية، ولا يستطيع باحث يلم بجوانب من واقع الاعتماد على المصادر العربية وحدها. إن التاريخ لا ينظر إليه بعين واحدة مطلقاً وإلا جاءت صورته مبتورة، والمؤرخ كالقاضي لا يكون حكمه أميناً صادقاً إذا بناه على شهادة طرف واحد، ولذا لا بد لدراسة تاريخ الإسلام وحضارته على أسس علمية من أن يكون عالماً بالأبعاد الحقيقية التي ازدهرت فيها دولة الإسلام وارتقت فيها حضارة الإسلام وهي العصور الوسطى. وهكذا فإن ادعاء البعض بأن أساتذة تاريخ العصور الوسطى لا ينبغي أن يتعرضوا لدراسة التاريخ الإسلامي، إنما هو ادعاء باطل يقوم على فكر خاطئ لا يميز بين تسمية العصور وحقول الدراسات التاريخية. وأساتذة العصور الوسطى في جامعاتنا المصرية والعربية أسهموا إسهاماً فريداً بناء في خدمة التاريخ الإسلامي وإلقاء الأضواء على جوانبه. ولا يتسع المجال لسرد أسماء عشرات المخطوطات في التاريخ الإسلامي التي حققها أساتذة تاريخ العصور الوسطى، وعشرات البحوث والكتب التي تصدر بين حين وآخر في التاريخ الإسلامي، وفي طليعتهم الدكتور حسنين ربيع رئيس اتحاد المؤرخين العرب حالياً، والعلامة سعيد عبد الفتاح عاشور، والدكتور قاسم عبده قاسم. وساحة العلم واسعة، ومجال التعاون بين الكل والجزء ينبغي أن يظل قائماً، وقد حض رسول الله عليه الصلاة والسلام، على تعلم لغات الآخرين، كما ورد عنه أنه قال: «لكل شيء عماد وعماد الإسلام العلم»، أما محاولة التستر على ما قد نشعر به من نقص تحت ستار تزييف الحقائق والتشدق بعبارات كالعلمانية والدينية، فهذا أبعد ما يكون عن روح الدين والعلم.


Mahmoud elshawry
كاتب المقالة
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع مكتبة محمود الشاوري .

جديد قسم : كتب

إرسال تعليق